قال مدير المدرسة للتلميذة " لماذا انقطعتِ عن المدرسة وعن الدراسة ؟! " , قالت " لقد أتيتُ إلى المدرسة منذ أسبوع , ولكنكم لم تردوا علي الزيارة !!!" .
تعليق :
1-كان التلاميذ - أيام زمان - كلهم ( تقريبا ) حاضرين في القسم بدنيا وبأجسادهم , ولا يغيب منهم فكريا وذهنيا و ... إلا القليلُ جدا جدا من تلاميذ القسم . أيام زمان , من الصعب أن تجد في القسم تلميذا حاضرا بجسده وبدنه وغائبا عن المعلم والأستاذ وعن الدرس المُقَدَّم . هذا كان - أيام زمان- نادرا جدا وللغاية . وإذا قلتُ " أيام زمان" فأنا أقصد بذلك " منذ 5 سنوات فقط أو أكثر" . وأما اليوم , وأما الآن , وأما في هذه الأيام , وأما في السنوات القليلة الأخيرة فإن المعلم أو الأستاذ يلاحظ بأن أغلبية تلاميذ القسم الواحد حاضرون بأجسادهم , ولكنهم في المقابل غائبون بعقولهم وأذهانهم وفكرهم .
2- أيام زمان كان تفكيرُ التلميذ منصبا على واجبين إثنين فقط يجب أن يؤديهما التلميذ وبإتقان , وهما الاجتهاد في الدراسة والاستقامة في السلوك . وأما مشاكل الغير بمن فيهم الأبوين فإن التلميذ كان يتجنب في الغالب شغلَ ذهنه بها . وأما تكاسلُ التلميذ في الدراسة , وأما الطيش والانحراف والميوعة والانحلال في السلوك فلا يكاد التلميذُ يعرفها , وكنا لا نجدها إلا في النادر جدا من التلاميذ .
3- كان تلاميذ أيام زمان فقراء ( في أكلهم وشربهم ولباسهم وغطائهم ومساكنهم ) وكانوا لا يملكون من أدوات ووسائل الدراسة إلا القليل , ومع ذلك كانوا مجتهدين ومتفوقين اجتهادا وسلوكا . وأما اليوم فكل شيء مادي متوفر تقريبا لأغلب التلاميذ , ولكن الكسل واللامبالاة والطيش و ... هي السائدة والشائعة .
4- شعار تلاميذ اليوم هو :
· " الجال أولا والمحفظة ثانيا " .
· و " الجوال أولا والمحفظة ثانيا " .
· و " الموسيقى الصاخبة والغناء أولا والمحفظة ثانيا " .
· و" من عسنا ( أي من حرسنا في الامتحانات ) فليس منا " .
· و" من نقل ( أي غش ) انتقل , من اعتمد على نفسه بقي في قسمه " .
· و" من راقبَ الناسَ ( أي الأستاذ الذي يحرس التلاميذ أثناء الامتحانات ) مات هما " .
· و" النجاح في الدراسة هو الهدف وكل الوسائل الموصلة إليه مقبولة " .
· و" المال أولا والدراسة ثانيا أو ... أخيرا " .
الخ ...
5- تلاميذ أيام زمان كانوا يدرسون ويجتهدون في الدراسة , ثم ينتظرون بعد ذلك النتائج الطيبة في نهاية الثلاثي أو السنة أو المرحلة أو ... وكان التلميذُ أيام زمان يرفضُ أن يضيفَ له الأستاذُ ولو نصفَ نقطة هو لا يستحقها ... وأما تلاميذ اليوم فإن أغلبيتهم الساحقة ( وأنا أعي تماما ما أقول ) يريدون النجاحَ بدون بذل أي جهد يذكر ... ولقد سألتُ في السنوات الأخيرة , سألتُ الكثير من التلاميذ الضعاف والمجتهدين
( والمجتهدون قلة ) " ما رأيكم لو أن الوزارة تقدم لكم هذا العام هدية , فتنقلكم إلى القسم الأعلى بدون دراسة ؟!" , وأنا أؤكد على أنني دوما أسمع نفس الجواب ومن كل التلاميذ ( وبصوت مرتفع ) " لا ما نع عندنا في ذلك يا أستاذ , بل نحن نتمنى ذلك من أعماق قلوبنا " ... والتلميذُ اليوم لا مانع عنده أبدا أن تضاف له 20 نقطة ( وليس فقط نصف نقطة ) , ولو كان لا يستحق ولو جزء بسيطا منها !!!.
6- يستحب الرد على التحية في الإسلام بأحسن منها أو بمثلها . قال تعالى " وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيبًا " .
7- يجوز بشكل عام الرد على السيئة من الغير ( في حقنا لا في حق الدين والأدب والخلق والأمانة ) بمثلها ... ولكن يستحب أن لا نرد على السيئة بشيء ... ثم إن الأفضل والأحسن والأطيب - بصفة عامة – هو أن نرد على السيئة بحسنة ... ولنكن على يقين أن من خصائص عظمة المؤمن أن يقابل من أساء إلى شخصه بالإحسان . قال تعالى "وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ".
8- من السيئات المنتشرة كثيرا عند ضعاف الإيمان من الناس وخاصة منهم الكثيرات جدا من النساء , انتشار المنطق المعوج الآتي إلى درجة أنه أصبح يعتبر حقا وصوابا , مع أنه في حقيقة الباطل باطل و" ستين باطل" ... قلتُ : من هذه السيئات المنتشرة : المنطق الذي يقول " زرتها ولم تزرني ... إذن لن أزورها بعد اليوم "
" أكرمتها ولم تكرمني , إذن لن أكرمها بعد اليوم " " أعطيتها ولم تعطني ... لن أعطيها إذن بعد اليوم "
" سامحتها ثم هي لم تسامحني بعد ذلك , إذن لن أسامحها بعد اليوم " , وهكذا ... لأن المنطقَ الصحيح والصواب والسليم هو :
· أنني أزورُ الغيرَ ولو لم يزرني .
· وأُكرم الغيرَ ولو كان الغيرُ قد أهانني .
· وأعطي الغيرَ ولو كان الغيرُ قد حرمني .
· وأعفو عمن ظلمني أو عـمن لم يسامحني , وهكذا ...
والله وحده أعلم بالصواب وهو وحده الموفق والهادي لما فيه الخير . اللهم أصلحنا وأصلح أحوالنا , آمين .