المواطن المنهي عن قراءة القرآن فيها
الإمتاع بفتاوى التلاوة والاستماع (12)
(فتاوى وأحكام شرعية حول تلاوة وسماع الآيات القرآنية)
تحرم تلاوة القرآن في المواطن التالية:
1- في حالة الجنابة:
قال علي - رضي الله عنه -: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يحجبه - وربما قال:
ولا يحجزه - عن قراءة القرآن شيء سوى الجنابة أو إلا الجنابة" [1].
وقال الحافظ أبو عمر بن عبدالبر: روِّينا من وجوه صحاح أن عبدالله بن رَوَاحة
- رضي الله عنه - مشى ليلة إلى أَمَة له فنالها، فرأته امرأته، فلامته فجحدها، فقالت:
إن كنت صادقًا فاقرأ القرآن؛ فإن الجنب لا يقرأ القرآن، فقال:
شهدتُ بأن وعد الله حق
وأن النار مثوى الكافرينا
وأن العرش فوق الماء حق
وفوق العرشِ ربُّ العالمينا
وتحمله ملائكةٌ كرامٌ
ملائكة الإله مسوِّمينا
فقالت امرأته: صدق الله، وكذبت عيني، وكانت لا تحفظ القرآن ولا تقرؤه[2].
وعن إبراهيم النخعي - رضي الله عنه - قال: كان عمر يكره - أو ينهى - أن يقرأ الجنب والحائض[3].
وعن أبي وائل - رضي الله عنه - قال: "كان يقال: لا يقرأ الجنب، ولا الحائض،
ولا يقرأ في الحمام، وحالان لا يذكر العبد فيهما الله: عند الخلاء، وعند الجماع،
إلا أن الرجل إذا أتى أهله بدأ فسمَّى الله"[4].
ورخَّص في قراءة القرآن للجنب عمومًا داود، وابن حزم الظاهريان، وذهب البخاري
والطبري إلى ذلك، قال البخاري: لا بأس أن تقرأ الحائض الآية، ولم يرَ ابن عباس
بالقراءة للجنب بأسًا، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل حال،
وذهب أبو حنيفة إلى قراءة ما دون الآية، وذهب الجمهور إلى التحريم، وهو الصواب، والله أعلم.
2- التلاوة أثناء قراءة الإمام جهرًا إلا الفاتحة:
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [5] انصرف من
صلاة جهر فيها بالقراءة، فقال: ((هل قرأ معي أحد منكم آنفًا؟))،
فقال رجل: نعم يا رسول الله، قال: ((إني أقول مالي أنازع القرآن!))،
قال: فانتهى الناس عن القراءة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
فيما جهر فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقراءة من الصلوات، حين
سمعوا ذلك من رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
قال الزهري، وإسحاق بن راهَوَيه، ومالك، وأحمد - في رواية عنه - والشافعي في القديم:
"إن المأموم لا يجب عليه في الصلاة الجهرية قراءة فيما جهر فيه الإمام لا الفاتحة ولا غيرها".
وقال الشافعي في الجديد: يقرأ الفاتحة فقط في سكتات الإمام، وهو قول طائفة
من الصحابة والتابعين فمن بعدهم.
وقال أبو حنيفة، وأحمد بن حنبل: لا يجب على المأموم قراءة أصلاً في السرية ولا الجهرية[6].
3- في الركوع أو السجود:
فعن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: "نهاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
عن قراءة القرآن وأنا راكع أو ساجد"[7].
4- في الخلاء والأماكن القذرة؛ إجلالاً وتعظيمًا للقرآن:
وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد امتنع عن رد السلام وهو يبول[8]
فالامتناع عن القراءة من باب أولى.
هذا، وتكره التلاوة أثناء الوضوء؛ فالثابت عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أنه كان يسمي الله - عز وجل - قبل الوضوء، ولا يتكلم أثنائه[9].
[1] صحيح: رواه الحاكم (7083) (4/120)، (541) (1/253)، وابن خزيمة (208) (1/104)، والدارقطني في العلل (3/248)، والترمذي (146) (1/273)، والنِّسائي في السنن الصغرى (265) (1/144)، وفي الكبرى (261) (1/121)، وابن ماجة (594) (1/195)، وأبو داود (229) (1/108)، وأحمد (639) (1/84)، (840) (1/107)، (1011) (1/124)، وابن حبان (799) (3/79)، والطيالسي (101) (1/17)، والطبراني في الأوسط (6697) (7/9)، (7039) (7/121)، وأبو يعلى في مسنده (287) (1/247)، (406) (1/326)، (408) (1/327)، (579) (1/436)، والبيهقي في الشعب (2109) (2/379)، وفي الكبرى (418) (1/88)، وابن الجعد في مسنده (59) (1/25)، وابن جارود في المنتقى (94) (1/34).
[2] انظر الاستيعاب (1/272)، ورواه ابن أبي الدنيا في العيال (572) (2/772)، وابن عساكر في التاريخ (28/112،114،115)، وتروى: (طافٍ) كما في الموضعين السابقين.
[3] أثر صحيح رواه الدارمي (992) (1/252)، وابن أبي شيبة (1080) (1/97)، والبيهقي في الكبرى (423) (1/89).
[4] صحيح رواه الدارمي (998) (1/253).
[5] صحيح رواه أبو داود (826) (1/278)، والترمذي (312) (2/118)، والنِّسائي (919) (2/140)، وابن ماجة (848) (1/276)، وأحمد (7268) (2/240)، (7806) (2/284)، (7820) (2/285)، (7994) (2/301)، (10323) (2/487)، (22972) (5/345)، وابن حبان (1843) (5/151)، (1849) (5/157)، (1850) (5/159)، (1851) (5/161)، والدارقطني في سننه (12) (1/320)، والطبراني في الأوسط (7251) (7/194)، وأبو يعلى في مسنده (5861) (10/252)، والبزار (2313) (6/292)، وعبدالرزاق (2795،2796) (2/135)، وابن أبي شيبة (3776) (1/330)، والبيهقي في الكبرى (2716،2717،2719،2718) (2/157)، والنِّسائي في الكبرى (991) (1/319)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (1188) (1/217)، وأبو نعيم في الحلية (9/320)، والحميدي في مسنده (953) (2/423).
[6] انظر تفسير ابن كثير في تفسير سورة الأعراف [الآية 204] (2/269)، ونيل الأوطار(2/236).
[7] صحيح رواه مسلم (480) (1/347).
[8] عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: مر رجل على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يبول فسلم عليه فلم يرد - عليه السلام؛ صحيح: رواه النِّسائي في المجتبى (37) (1/35)، وفي الكبرى (37) (1/71)، وأبو داود (16) (1/51)، والترمذي (2720) (5/71)، وابن ماجة (351) (1/126)، والدارمي (2641) (2/360)، وابن خزيمة (73) (1/40)، والشافعي في المسند (30،31) (1/11،12)، والطبراني في الأوسط (3641) (4/72)، (5402) (5/310)، (7706) (7/353)، والبيهقي في الشعب (2367) (2/449)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (511) (1/85).
[9] عن المهاجر بن قنفذ - رضي الله عنه - أنه سلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يتوضأ فلم يرد عليه حتى توضأ؛ صحيح: رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار (105) (1/27)، والنِّسائي في الصغرى (38) (1/37)، وفي الكبرى (37) (1/71)، وابن ماجة (350) (1/126)، وأحمد (19056) (4/345)، (20781) (5/80)، والدارمي (2641) (2/360)، وابن خزيمة (206) (1/103)، وابن حبان (803) (3/82)، والحاكم (592) (1/272)، والطبراني في الكبير (780) (20/329)، وابن عمرو الشيباني في الآحاد والمثاني (673) (2/9).
وأما التسمية، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله - تعالى - عليه. صحيح رواه أبو داود (101) (1/73)، والترمذي (25) (1/37)، وابن ماجة (397) (1/139)، وغيرهم.