عندما تفقد العقول نظافتها

عندما تفقد العقول نظافتها
العقول.. عندما تفقد النظافة ..
كثيراً ما نتحدث عن النظافة في مجالات تعارف عليها الجميع مثل نظافة البدن، ونظافة العرض، ونظافة القلب، ونظافة المكان، وما دار في هذه الأفلاك أو اقترب منها، ولكن ماذا تعني النظافة بشكلها العام؟
في لسان العرب النظافة: النقاوة. والنظافة: مصدر التنظيف والفعل اللازم منه نظف الشيء، بالضم، نظافة، فهو نظيف: حسن. ونظفه ينظفه تنظيفاً أي نقاه . ونظافة القلب من الغل والحقد والحسد وأمثالها، وفي الحديث:
نظفوا أفواهكم فإنها طرق القرآن أي صونوها عن اللغو والفحش والغيبة والنميمة والكذب وأمثالها، وعن أكل الحرام والقاذورات والحث على تطهيرها من النجاسات.
وللشعراء نزواتهم في التعامل مع النظافة، وقد عبر بعضهم عن البخيل بأنه نظيف القدر، لأن قدره قليل الاستعمال لندرة استعماله في الطبخ ولابن بسام البغدادي أبيات طريفة بهذا المعنى، والأكثر طرافة، ولكن في معنى آخر للنظافة ما قاله المفتي فتح الله في البيتين التاليين:
جسمي غدا باليا مثل الردى خلقا
يجوز في العشق من داء إلي داء
أردت أغسله أبغي نظافته
فخفت من غسله يجري مع الماء
النظافة تتعدى معناها التقليدي لتشمل نظافة العقول وما ينتج عنها من نظافة العرض واليد واللسان والتفكير والتصرف، فجميع هذه الأمور إذا لم تشبها شائبة فذلك ناتج عن نظافة العقول، أي سلامتها من التشوه الذي يقود إلي تلوث السلوك وترديه إلي الممارسات التي تقود لارتكاب الخطايا وقد تقود إلي المنايا لا قدر الله، فالعقل هو الذي يتحكم في تصرفات الإنسان ويوجهها الوجهة الصحيحة أو غير الصحيحة.
وفي هذا المعني يقول جميل صدقي الزهاوي:
ما أحسن الثوب النظيف وراءه عرض نظيف
قد تصادف رجلاً أنيقاً يعجبك مظهره، وتظن أن وراء هذا المظهر ما وراءه من الفطنة ورجاحة العقل، لكنك لا تلبث أن تكتشف عند أول حديث معه، أنك استسمنت ذا ورم، لينطبق عليه المثل القائل المظاهر خداعة، وفي مواقف أخرى:
تري الرجل النحيف فتزدريه
وفي أعطافـه أسد هصور
فالنظافة في المظهر لا تعني النظافة الكاملة، بل قد تتخذ وسيلة للتضليل، ومن يسلك هذا المسلك لا علاقة له بمأثور القول: النظافة من الإيمان، لأن النظافة المعنية هنا هي النظافة في جميع دلالاتها التي تشمل الجوارح والأفكار، فلن يكون نظيفاً من تلوثت جوارحه بالأعمال المنكرة، وعقله بالأفكار الضالة، وكثيرون من يبدون في مظهرهم في غاية النظافة، لكن تاريخهم أسود في ارتكاب المنكرات والتسلط علي رقاب الناس، واستغلال المناصب لتحقيق المزيد من المكاسب الشخصية والثراء الفاحش، وما ذلك سوى مظهر من مظاهر غياب النظافة عن عقولهم، التي لوثتها الدنيا بمظاهرها الخلابة، وإغراءاتها المتنوعة، ناسين أو متناسين ما تفرضه عليهم إنسانيتهم من قيم الحق والعدل والاستقامة والانصياع للواجب.
العقول النظيفة فقط هي التي تقود إلي تجنب المنكر، ونبذ الفكر الضال، والتمسك بالصدق مع النفس ومع الآخرين، والإصرار على عفة اليد واللسان، وبالعقول النظيفة يصبح للحياة معناها الحقيقي، بما يعنيه ذلك من بناء الذات دون تجاهل الآخر..
العقول عندما تفقد النظافة تفقد معها كل معنى للحياة الكريمة.

بارك الله فيييك