عن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول
" إنما الأعمال بالنيات , وإنما لكل امرئ ما نوى , فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله , ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها و امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه "
متفق عليه .
هذا الحديث اصل عظيم في أعمال القلوب , لان النيات من أعمال القلوب
قال العلماء : وهذا الحديث نصف العبادات , لأنه ميزا الأعمال الباطنة
وحديث عائشة رضي الله عنها " من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد "
وفي لفظ آخر " من عمل عملا ليس عليه امرنا فهو رد " نصف الدين , لأنه ميزا الأعمال الظاهرة
فيستفاد من قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات " أنه
ما من عمل إلا وله نية , لأن كل إنسان عاقل مختار لا يمكن أن يعمل عملا بلا نية ,
حتى قال بعض العلماء " لو كلفنا الله عملا بلا نية لكان من تكليف ما لا يطاق "
فهذا الحديث عمدة أعمال القلوب، فهو ميزان الأعمال الباطنة، وحديث عائشة: عمدة أعمال الجوارح
ويتفرع من هذه الفائدة :
الرد على الموسوسين الذين يعملون الأعمال عدة مرات ثم يقول لهم الشيطان : إنكم لم تنووا . فإننا نقول لهم : لا , لا يمكن أبدا أن تعملوا عملا إلا بنية فخففوا على أنفسكم ودعوا هذه الوساوس .
والمقصود من هذه النية تمييز العادات من العبادات، وتمييز العبادات بعضها من بعض.
* وتمييز العادات من العبادات مثاله:
- أولاً:الرجل يأكل الطعام شهوة فقط، والرجل الآخر يأكل الطعام امتثالاً لأمر الله عزّ وجل في قوله: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا )(الأعراف:الآية31) فصار أكل الثاني عبادة، وأكل الأول عادة
- ثانياً: الرجل يغتسل بالماء تبرداً، والثاني يغتسل بالماء من الجنابة، فالأول عادة، والثاني: عبادة
ولهذا قال بعض أهل العلم: عبادات أهل الغفلة عادات، وعادات أهل اليقظة عبادات
واعلم أن النية محلها القلب، ولايُنْطَقُ بها إطلاقاً،لأنك تتعبّد لمن يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
ومن فوائد هذا الحديث أن الإنسان يؤجر أو يؤزر أو يحرم بحسب نيته لقول النبي صلى الله عليه وسلم " فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله "
ويستفاد من هذا الحديث أيضا أن الأعمال بحسب ما تكون وسيلة له , فقد يكون الشيء المباح في الأصل يكون طاعة إذا نوى به الإنسان خيرا , مثل أن ينوي بالأكل والشرب التقوي على طاعة الله , ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم " تسحروا فإن في السحور بركة "
* ومن فوائد هذا الحديث : أنه ينبغي للمعلم أن يضرب الأمثال التي يتبين بها الحكم , وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لهذا مثلا بالهجرة , وهي الانتقال من بلد الشرك إلى بلد الإسلام وبين أن الهجرة وهي عمل واحد تكون لإنسان أجرا وتكون لإنسان حرمانا , فالمهاجر الذي يهاجر إلى الله ورسوله هذا يؤجر , ويصل إلى مراده . وهذا الحديث يدخل في باب العبادات وفي باب المعاملات وفي باب الأنكحة وفي كل أبواب الفقه .
شرح كتاب الأربعين النووية
للشيخ بن عثيمين
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط]