السؤال : هل هناك فرق بين أهل الكتاب والمشركين؟ وهل ينطبق وصف المشركين على أهل الكتاب؟ وما الفرق بين الكفار والمشركين؟ أرجو التوضيح الشافي، وجزاكم الله خيرا.
الجواب :
الحمد لله وصلى الله وسلم على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، أمابعد:
فإنه ينبغي أن يعلم أن الألفاظ يختلف معناها بالإفراد والاقتران من حيث العموم والخصوص، وهذا المعنى كثير في القرآن، ومن ذلك لفظ الكفار والمنافقين وأهل الكتاب، وأعم هذه الألفاظ لفظ الكفار فإنه يشمل المنافقين النفاق الأكبر، ويشمل عمومَ المشركين والكفارَ من أهل الكتاب، واسم المنافقين يختص بمن يُظهر الإسلام ويبطن الكفر، فإذا ذكر المنافقون والكفار كقوله تعالى : (إن الله جامع الكافرين والمنافقين في جهنم جميعا ) اختص اسم المنافقين بمن يبطن الكفر واسمُ الكافرين بالمعلنين له، وأكثر ما يطلق اسمُ المشركين في القرآن على الكفار من غير أهل الكتاب، كقوله تعالى : (فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم).
وقد يطلق لفظ المشركين على ما يعم الكفار في مقابل المنافقين، كما قال تعالى ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات) فيدخل في ذلك كفرة أهل الكتاب والمجوس ، وقد يخص الله بعض طوائف المشركين باسم يُعرفون به كالمجوس،كما قال سبحانه: (إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا إن الله يفصل بينهم يوم القيامةإن الله على كل شئ شهيد) فعطف الذين أشركوا على المجوس من عطف العام على الخاص، وأما الطوائف الأربع الأولى في هذه الآية فإن منهم المؤمن ومنهم الكافر كفرا ظاهرا أو باطنا، كما قال تعالى : (إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولاخوف عليهم ولاهم يحزنون) أي من آمن منهم بالله واليوم الآخر ، وهكذا أهل الكتاب منهم المؤمن والكافر، كما قال تعالى: (ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم منهم المؤمنون وأكثرهم الفاسقون) إلى قوله تعالى: (ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون) إلى قوله تعالى: (إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وألئك أصحاب النار هم فيها خالدون)
وهذا الانقسام في اليهود والنصارى والصابئين إنما هو باعتبار حالهم قبل مبعث النبي ، أما بعدما بعث الله خاتم النبيين فكل من لم يؤمن به من اليهود والنصارى وغيرهم فإنه كافر، فإن من مات على ذلك فهو من أهل النار، ولا ينفعه انتسابه لشريعة التوراة والإنجيل، وقد انضاف كفرهم بتكذيبهم محمدا إلى ما ارتكبوه من أنواع الشرك والكفر قبل ذلك، كقول اليهود: ( عزير ابن الله ) وقول النصارى: (المسيح ابن الله) والشرك في النصارى أظهر منه في اليهود وأكثر، كما قال تعالى : (لقد كفر الذين قالوا إن الله هوالمسيح ابن مريم وقال المسيح يابني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجن ومأواه النار وماللظالمين من أنصار. لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم) إلى قوله تعالى: (قل أتعبدون من دون الله مالا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هوالسميع العليم) وقوله سبحانه: (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلها واحدا لا إله إلا هو سبحانه وتعالى عما يشركون)
فتبين مما تقدم أن اليهود والنصارى وسائر المشركين من عبدة الأوثان والمجوس كلهم كفار؛ من مات منهم على كفره فهو في النار، وأنهم جميعا مدعوون إلى الإيمان بالقرآن وبالرسول الذي جاء بالقرآن، ومأمورون باتباعه عليه الصلاة والسلام، فإن رسالة محمد عامة لجميع الناس من الكتابيين والأميين، كما قال تعالى: ( قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا) وقوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير والله على كل شئ قدير) وقال : "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولانصراني ثم يموت ولم يؤمن بما أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
رواه مسلم 153 كتاب الإيمان
ولكن دلت النصوص من الكتاب والسنة على الفرق بين أهل الكتاب وغيرهم من الكفار في بعض الأحكام، فمن ذلك: حل ذبائح أهل الكتاب، وحل نسائهم الحرائر العفيفات: كما تعالى: (اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) بخلاف سائر طوائف الكفار من المجوس وعبدة الأوثان وغيرهم، فلا تحل ذبائحهم ولا نسائهم للمسلمين، وهذا متفق عليه بين العلماء، ومن ذلك أن الجزية لا تؤخذ إلا من اليهود والنصارى و المجوس، على قول أكثر أهل العلم، لقوله تعالى : ( قاتلوا الذين لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر و لا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) وثبت في البخاري عن النبي أنه أخذ الجزية من مجوس هجر،المصدر: صحيح البخاري - الصفحة أو الرقم: 3156
فلذلك اتفق العلماء على أخذ الجزية من هذه الطوائف، واختلفوا في أخذها من غيرهم، والراجح أنها تؤخذ من جميع طوائف الكفار، لحديث بريدة في صحيح مسلم: "كان رسول الله إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا-الحديث، فيه-وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا-أي عن الإسلام- فسلهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم ".
المصدر: صحيح مسلم - الصفحة أو الرقم: 1731
فإذا تبين مما تقدم أن الكفر ضد الإسلام، وأن من ليس بمسلم فهو كافر، سواء أكان يهوديا أم نصرانيا أم وثنيا مشركا أم ملحدا = علم بذلك ضلال من يعبر عن الكفر بالرأي الآخر ، وعن الكفار بغير المسلمين ويتحاشى وصفهم بالكفر والكافرين مع ما يتضمنه هذا المنحى الفاسد من اعتبار دين الإسلام الذي- هو دين الله- رأيا يقابل برأي ، وهذا اللفظ ( أي الرأي الآخر ) يقتضي أن دين الإسلام منشؤه الفكر والاجتهاد ممن جاء به، -وهو الرسول - أو أخذ به -وهم المؤمنون -، ومعلوم أن من يعتقد ذلك من المنتسبين إلى الإسلام فإنه كافر مرتد عن الإسلام، فسبيله سبيل المرتدين، وحكم المرتد أن يستتاب ، فإن تاب و إلا قتل .
ولكن من الخطأ الفاحش أن يصدر مثل هذا التعبير ممن يعلم يقينا أنه لا يعتقد مدلول اللفظ، ولكنه يؤثر هذا التعبير مصانعة للكفار وتألفا لهم بزعمه، ومعلوم أن هذا ليس من التألف المشروع، فإن الله نعت كل من خرج عن دين الإسلام بالكفر والشرك، كما تقدم ذكر بعض الشواهد من القرآن على ذلك، ومن هذا قوله تعالى قل ياأيها الكافرون ) إلى آخر السورة، وقوله تعالى: (هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير) فيجب على من وقع منه هذا الخطأ أن يستغفر ويتوب كما أمر الله بذلك في قوله سبحانه: ( وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه). نسأل الله أن يلهم الجميع الصواب، وأن يتوب علينا إنه هو التواب الرحيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
والله أعلم وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أملاه : العلامة / عبد الرحمن بن ناصر البراك حفظه الله تعالى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتم سؤال العلامة / بن باز رحمه الله
عن طعام أهل الكتاب
الجواب
أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، والذي أباح طعامهم هو الذي قال فيهم ما ذكر فيهم من الآيات في تكفيرهم مثل اليهود: يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ [(64) سورة المائدة]. وكذلك كفَّر النصارى: لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ [المائدة:17]. وكفَّرهم بقولهم: إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ [(73) سورة المائدة]. وسبحانه كفرهم وأبان ضلالهم ومع ذلك أباح لنا طعامهم، وهم كفار ومشركون وظلمة ومفسدون ولكن الله - سبحانه وتعالى- لطف بنا وأباح لنا طعامهم فضلاً منه وإحساناً، وطعامهم ذبائحهم كما قال ابن عباس وغيره. فإذا علمنا أن هذه الذبائح من ذبائح أهل الكتاب فهي حل لنا سواء كانوا في أوروبا أو من غير ذلك. فالحاصل أن طعام أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى سواء كانوا ذميين أو حربيين حلٌ لنا بنص القرآن إلا إذا علمنا أن هذه الذبيحة أهلت لغير الله، ذبحوها لآلهتهم علم أن ذلك حرم علينا، وهكذا إذا علمنا أنهم ذبحوها بالخنق أو بالصعق الكهربائي يقيناً أن هذه الذبيحة المعينة التي جاءت في هذه العلبة أو في هذا الإناء إذا علمنا هذا حرمت علينا وإلا فالأصل حل ذلك، وعلينا أن نقبل رخصة الله - سبحانه وتعالى -، وأما ما يتعلق ببعض الشركات فليس علينا أن نتتبع ذلك، إذا علمنا أن هذه الذبيحة ذبحت لغير الله أو ذبحت على غير شرع الله تركناها، وإلا فالأصل أن ذبائحهم حلٌ لنا بنص القرآن الكريم، وهم مع هذا كفار، لكن الله استثنى ذبائحهم دون غيرهم. أما الوثنيون من المجوس وهكذا الشيوعيون كلهم ذبائحهم محرمة، المجوس والبوذيون وسائر الكفرة من الشيوعيين وغيرهم ذبائحهم كلها محرمة، كما يذبح في بلغاريا أو الصين الشعبية أو أشباه ذلك من الدول الشيوعية فهذا لا يحل لنا، إلا إذا علمنا أنه تولاه مسلمٌ أو تولاه كتابي وإن كان في بلاد الشيوعيين إذا تولاه كتابي، أو تولاه مسلم حلت لنا الذبيحة، وإلا فالأصل أنما يرد من البلدان الشيوعية من بلغاريا أو رومانيا أو الصين الشعبية أو غير ذلك، فهذا نتركه، ولا يحل لنا ولا نستعمله.
ــــــــــــــــــــــــ
وقال العلامة بن عثيمين رحمه الله
عند تفسير أيات سورة البينة
"{إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية} بين الله تعالى في هذه الآية بياناً مؤكداً بـ(إن) إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين {في نار جهنم} أي في النار التي تسمى جهنم، وسميت جهنم، لبعد قعرها وسوادها، فهو مأخوذ من الُجهمة، وقيل: إنه اسم أعجمي عربته العرب. وأيًّا كان فإنه أعني لفظ {جهنم} اسم من أسماء النار، وقوله: {إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين} {من} هنا بيان للإبهام، أعني إبهام الإسم الموصول في قوله: {إن الذين كفروا} وعلى هذا فيقتضي أن أهل الكتاب كفار وهم (اليهود والنصارى)، والأمر كذلك، فإن اليهود والنصارى كفار حين لم يؤمنوا برسول الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم،"
"فهؤلاء الكفار من اليهود والنصارى والمشركين هم شر البرية عند الله عز وجل،"
منقول للفائدة
المصدر: بوابة الإسلام